من أرشيف الذاكرة (51) .. قصتي مع القات
يمنات
أحمد سيف حاشد
(10)
• في مستهل عهدي في عضوية مجلس النواب، اشتريت تلفون، وكنت لازلت حديث عهد به.. وتعاملت معه ببدائية لفترة غير قصيرة.. لم أعد أذكر نوع و اسم ذلك التلفون.. كلّما أذكره أن أهم ميزة فيه هو صوت التنبيه العالي بوجود اتصال.. لم يكن مبرمج على رنة معتادة، بل كان مبرمجا على مطلع أغنية لم أختارها أنا، بل أختارها من برمج التلفون على تلك الأغنية..
• تقنية الصوت كانت أهم ما يميز ذلك التلفون.. كان صوت التنبيه بوجود اتصال يصدح بمطلع أغنية تشد الانتباه والعجب.. وفضلا عن ذلك كان ميكرفون الصوت مفتوحا إلى آخره.. كان الصوت العالي للتلفون صارخا، بل كان أصرخ من صرخة هذه الأيام..
• أخبروني أن هناك عزاء في بيت الوزير عبده علي قباطي.. قصدت مكان العزاء في بيت الوزير، وكان البيت مزدحما ومكتظا بالمعزيين .. وصلت إلى صدر المجلس بمشقة بسبب الزحام.. وبعد أداء واجب التعزية افسحوا لي مكانا في صدر المجلس، وجلست فيه، وبدأت أمضغ القات..
• وعندما بدوءا في قراءة سورة الفاتحة لروح الميت.. جاء اتصال لتلفوني، وصدع صوت تلفوني في أرجاء المجلس بأغنية ” انا يابوي انا .. خطر غصن القنا.. وارد على الماء نزل وادي بناء ..” سادني ارباك متتابع.. أولا في الوصول إلى التلفون، ثم في اغلاق التلفون.. استغرق هذا الأمر قرابة العشرين ثانية أو أكثر منها..
• كان شكلي لافت في تلك اللحظة، وأنا مشدودا ومعقوفا على التلفون كجنبية قبيلي من حاشد، كنت أشبه من يعاني من نوبة صرع وأنا أهسهس على كل الأرقام والمفاتيح بعشوائية مدهوش ومضطرب طار عقله.. كنت أشعر أن كل العيون ترمقني وساخطة مني..
• كان شكلي لافتا وأنا أحاول أن اخرس تلفوني الذي خانني في لحظة تعسة و وأرطه.. وددت في تلك اللحظة أن أكسر التلفون على الجدار أو الأرض أو بالأقدام، ولكن شعرت أن المشهد سيكون أسوأ مما أنا فيه..
• أخرسته بعد أن كاد هو أن يخرسني في حرج مهول.. شعرت بحرج شديدة وغير مسبوق.. بدت اللحظة أشبه بشخص محترم وذو وقار قد أرتكب خطيئة أو فعلا فاضحا أمام جمهوره المزدحم بالحضور..
• الجميع تطلع نحوي بدهشة صاعقة، والفاتحة شابها ما يفسدها طولا وعرضا، وأحسست أن روح الميت عليّ ساخطة، وأن ما ارتكبته فعلا لا يبرأ ولا يطيب..
• شاهدت الحاضرين زمرا يتهامسون ويبتسمون، وكنت أعلم أن حشوشا يحتشد ضدي في كل زمرة من زمر الحاضرين.. أحسست أن ما فعلته لا يُنسى ..شعرت في المجلس أنني صرت أسير لعنة تلك اللحظة القاسمة.. استمريت في المقيل على صفيح ساخن ربع ساعة ثم غادرت المكان..
• خرجت من العزاء وأنا أشعر أنني قد صرت أستحق العزاء أكثر من الميت.. حاولت أخفف عن نفسي بعزاء نفسي وأنا أقول : مررت في الكثير وها أنا قد ألفت النسيان، ولو لم أنسَ لما قابلت مخلوقا، ولما حضرت مقيل.. ولكن بعد خروجي ببرهة أكتشفت أنني قد نسيت أيضا علاقية قاتي في مجلس العزاء المزدحم..
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.